الأحد، 6 يونيو 2010

يحتفلون .. والضحيه على فراش الموت ..




يحتفلون ،، والضحية على فراش الموت..


كل ابن آدم خطّاء، وخير الخطائين التوابون، وبكن هناك خطأ بشري بسيط يمكن التجاوز عنه وعذر صاحبه. وآخر فادح لا يمكن أن يغتفر، ولكم اترك الحكم في هذا الخطأ الذي –شخصيا- اعتبره بعيدا كل البعد عن الإنسانية ومخالفا كل القيم من عادات وتقاليد وأعراف وقوانين.

تبدأ الحكاية مع ثلاثة أصحاب تم تعيينهم حديثا في الجنوب، وهم يبعدون عن الجنوب مساحات شاسعة. لكن لقمة العيش وظروف الحياة تجعلهم يقبلون بالوظيفة ولو كانت على أرض المريخ. وتبدأ رحلتهم قبيل رمضان وتستمر بما فيها من مشقة وتعب وشوق. ونحن نؤمن بقضاء الله وقدره، ففي طريق عودتهم من عملهم إلى عائلاتهم ليحتفلوا بالعيد الذي كان من المفترض أن يكون سعيدا، وقع ما أصبح جزءا من حياتنا اليومية نتيجة لطيشنا وعدم التزامنا بالقوانين التي ما وضعت إلا لتحافظ على تلك الأرواح التي يزهق منها الكثير وكأننا في حرب ضروس. يقوم أحد سائقي الشاحنات بالتجاوز – وهذا المنظر مألوف هذه الأيام- فيصطدم بهم وجها لوجه، مخلفا شابا في زهرة عمره صريعا، وآخران مصابان بكسور تحتاج لأشهر طوال وصبر كبير حتى تجبر وتعود كما كانت عليه. ويحتاج أصحابها إلى مدة من الزمن حتى تشفى جراح الروح بفقدان صاحبهم ورفيق سفرهم –رحمه الله.

وبينما هم في في بداية تلقي العلاج، وبينما كان أحدهم ينتظر دوره لإجراء العملية، يأتي صوت الأمل – عفوا ، قصدت صوت الألم الذي يبشرهم بأنهم سيوقفون عن العمل مدة سنة. وهنا لا أعرف كيف أفسر ردة فعلي، هل أبدأ بالضحك على هذا الموقف الذي لا يمتُ إلى المهنية في العمل بشيء من الصلة، أم أبكي على حال هؤلاء الذين فقدوا صاحبا في وقت العيد المملوء بالفرح، وفقدوا جزءا فاعلا من أجزاء جسمهم، لا يعلم أحد متى يعود كما كان عليه، وهل يعود بكامل كفاءته أم يسبب نوعا من الإعاقة الدائمة!

ولم أستطع تفسير هذا التصرف، وما أنا بطبيب، لكني أعلم يقينا أن خبرا كهذا- في ظل شح الوظائف- قد يؤذي المريض نفسيا وجسديا. فماذا نطلب منه وهو على شفير الموت مقيدا في سرير يحوط به أهله وأصحابه وأم تبكي على حال ولدها الذي بنت عليه كل الآمال والأحلام؟ أيتحمل صدمة موت صاحبة ورفيقه؟ أم حالة أرجله المتكسرة؟ أم خبر قرار توقيفه عن العمل؟ وأين الحس الإنساني والإسلامي في التعامل مع المرضى؟ وأين المشروعية القانونية في ذلك التصرف؟! لأنني علمت بعد ذلك بأن من أصدر القرار واتصل بهم لا يحمل أي صفة قانونية تخوله بذلك.

والأدهى والأمر أنّ ذاك المتصل قد استنتج قرار توقيفهم من مسئوله الذي علّق في أحد اجتماعاته لمناقشة ما حدث قائلا : "ما كان ينبغي لهم الرجوع، العمل مازال مستمرا." على الرغم من أن مكان عملهم – حسب وصفهم – كمقبرة خلت من أي حس، ومع ذلك هم مطالبون بالذهاب إليها علّ الموتى يصحون.

كل هذه التجاوزات وكل هذه التصرفات لا بد من تصحيحها من أجل بناء متكامل وسليم لكافة جوانب ومتطلبات الوطن الذي لا ولن يقوم إلا بتكاتف أبنائه. وفي هذه الحادثة لا أدري كيف سيجبر ما انكسر. هل نتوقع من هؤلاء – الذي لا أشك في تفانيهم وإخلاصهم – أن يكونوا بناة مخلصين؟ لا أدري ، ربما، ولكني أعلم يقينا أنّ نظرتهم لذلك المتصل ومسئوله ستتغير، ولن – شخصيا – ألومهم إذا لم يبدو لهم التعاون الكامل لسير العمل بأكمل وجه.

وهنا نقول أنّ كافة أبناء عمان سيخدمون أرضهم ويلتزمون بنهج باني نهضتهم، ومع ذلك كان لزاما على من هم في موقع المسؤولية أن يبدوا اهتماما بكوادرهم البشرية، عوضا عن تهميشهم ومعاملتهم وكأنهم أرادوا لتلك الشاحنة أن تصدمهم ، ولذاك الصديق أن يموت، ولذلك العمل أن يتوقف.

وأرى أنها فرصة لنا أن تكون مرافئ منطلقا لتوعية الناس من تلك الحرب التي أتت لتقطف أزهارا في عمر الربيع، فكان لا بد وأن نستشعر المسئولية في إتّباع القوانين المرورية والالتزام بأخلاقيات الطريق، والله نسأل أن يحفظ عمان وقائدها وشعبها.




مداد

مداد