لمْ يكنْ غريباً على الإطلاقِ ما حدَث من تصَاعد التيّار الدينيّ في أسابيع الاعتصَام الأخيرة التيْ تلتِ التغييرات الحكُوميّة الكثيرَة التيْ شهدتهَا السلطنَة بعدَ أيّامٍ من أحدَاث صحَار وما رَافق ذلك التصَاعد من مغَادرَة الأغلبيّة الشعبيّة لمواقعِ الاعتصَامات كردّةِ فعلٍ على استجَابة الحكُومة لكثيرٍ من المطالبِ التيْ خرجُوا للاعتصَام لأجلها ॥ ولمْ يكنْ غريباً كذلك تصَادمهُ مع التيّار الليبراليّ الذيْ كانَ حاضراً منذ البدَاية في المشهدِ الاعتصَاميّ .. وما تلا ذلك من تصَاعد مطَالبات خرجَ التيّار الدينيّ بها تركّز أغلبهَا حولَ سياسَات وزَارة الأوقاف والشؤون الدينيّة ، الوزَارة المعنيّة بالدرجَة الأولى بإدارَة السياسَة الدينيّة في السلطنَة .. وما تبعَ ذلك من أحدَاثٍ أبرزها واقعَة حصن الفليج التيْ أثارت الكثير من اللغطِ حولَ صحّتها من عدمهَا .. وحولَ مسبّباتها الحقيقيّة .. إلا أنّ سؤالاً كانَ يلُوح في الأفق: لماذا صعد التيّار الدينيّ بقوّة في فترةِ الاعتصَامات ولماذا غادرَ الكثيرُون وبقيَ أصحَابُ اللحَى والعمَائم ليوَاصلوا المطالبَة بحقوقهم التيْ من الواضحِ أنّهم كانُوا الأقلّ حظاً من جملةِ التغييرات الحكُوميّة التيْ طالتِ البلاد؟ المطالبَات بتغيير السياسَة الحكُوميّة في التعامل مع الدين في السلطنَة لم تكُن وليدَة لحظَة .. وإنّما خرجتْ ولكنْ بصوتٍ خافتٍ جداً .. وعلَى الرّغم أنّ الحكُومة أبدتْ انفتاحاً كبيراً للاستمَاع للمطالبِ الشعبيّة إلا أنّ خطوَاتها في إحداث تغييرات على مستوَى السياسَة الدينيّة المتّبعَة كانتْ ضعيفَة للغاية ..
************************
توقّعتُ ॥ ككثيرٍ من أبناء الشعبِ ، أن تطالَ التغييراتُ الوزَاريّة التيْ صدرت في مَارس الأخير وزَارة الأوقاف والشؤون الدينيّة ووزارة التعليم العالي ووزارَة الإعلام ॥ وكنتُ أتمنّى فعلاً أن أرى وجُوهاً جديدَة ، شابّة ، وطمُوحة كتلكَ التيْ رأينَاها في عددٍ من الوزَارات التيْ طالتها التشكيلَة الوزاريّة الجديدة ॥ فأمّا وزارَة الإعلام فقد خرجت الكثيرُ من الرُؤى والمقالات لتبيَان أسباب ضرورَة بثّ دماء جدِيدَة فيها ॥ وأمّا وزارة التعليم العالي فربّما نفردُ مقالاً مطوّلاً يخصّها وأمّا وزَارة الأوقَاف والشؤون الدينيّة فالحديثُ يطُول فيها ॥ إذْ يشهدُ هذا العَام ॥ العام الرَابع عشر منذُ تولّي وزِير الأوقَاف والشؤون الدينيّة الحاليّ مقعدَ الوزَارة ॥ أربعَة عشرَ عَاماً كانتْ كَافيَة جداً لتعمِيق الهوّة بينَ الشّعب ، والدِين .. وإطبَاق قبضَة حديديّة على أيّ تصَاعد دينيّ قد تشهدهُ السلطنة ..
***************************
خلالَ الخمسَة عشر عاماً الماضيَة مَارستِ الدولة متمثّلة في الحكُومة أقصَى درجَات التغييب للخطَاب الدينيّ وحضُورهِ في صلبِ المجتمع العُمانيّ متعَاملَة معه وكأنّه قنبلَة موقُوتة أو بعبُع قد يكشّر عن أنيَابهِ في أيّ لحظَة. تعَاملت الحكُومة مع الخطَاب الدينيّ كـ"مصدَر خَطر" يهدّد أمنها .. وبدَل احتوائهِ ومحَاولةِ فهمه .. كانَ الحلّ هوَ قمعهُ وتغييبهُ عن المجتمع. واليَوم فقدَت الكثِير من القوَاعد الدينيّة معطَياتها فتحوّلت المسَاجد إلى مجرّد دُور عبَادة لأداء الصّلاة بعدَ أنْ كانتْ مرَاكز تعليميّة وثقافيّة قبلَ عشرينَ عاماً .. كانتِ المساجدُ تخرّج الطلبَة ويمضيْ الطلبَة ابتدائيّتهم فيهَا باعتبَارها نظَاماً تعليمياً ممنهجاً بكوَادر تعليميّة مؤهلة ومخرجات مؤهلَة كذلك سرعَان ما تلتحق بعد تخرّجها من مدرسَة المسجد إلى المدَارس الحكُوميّة ذات التعليم النظَامي ولعلّي شهدتُ تخرّج جمِيع أشقائي الذينَ يكبرُونني سناً من هذهِ المعَاهد التيْ لمْ تكُن تقدّم المَادّة العلميّة فحسب بلْ كانتْ تكافئ طلاّبها بروَاتب شهريّة رمزيّة ما حفّز الكثيرين على الدرَاسة بهَا ، لقد كانتْ باختصَارٍ منظُومة تعليميّة راقيَة ومستقلّة وقائمَة على أسسٍ وأهداف ॥ وفي الزّمن الذيْ كان المسجِد يقدّم حركَة وعظيّة حقيقيّة ونشاطاً اجتماعياً مكثفاً ، تنَاقصت الحركَة الوعظيّة شيئاً فشيئاً وظلّت على مكَانها وأفكَارها جامدَةًلا تتحرّك ॥ ظلّ الخطابُ الدينيّ نفسهُ بذات العقليّة والأفكار لا يتغيّر ॥ وفي زمنِ الفيسبُوك وتويتر وغيرها لا يزَال الخطَاب الوعظيّ لدينَا يمَارسُ بتقليديّة عجيبَة حديثهُ عن النحل والأفلاج وإماطَة الأذى عن الطريق ॥ هذا الشبَاب المتفجّر بمفاهِيم الحريّة ورؤى العدَالة والثورَة الانترنتيّة المصَاحبَة॥ الشبابُ الذي يعرفُ عن بطُولات جيفارا وغاندي وماندِيلا أكثر مما يعرفُ عن عمّار بن يَاسر وبطُولات الصحَابة॥ وجدَ هؤلاء الشباب جداراً صلباً يحجبهُم عن الخطَاب الدينيّ .. جدار جَامد متين أصّلته الدّولة بمسَاعدَة ومبَاركة من الوزَارة المذكورة ..
وسَاهمَ تجفيفُ موَاد التربيَة الإسلاميّة في المنَاهج الدرَاسيّة وتسطيحهَا في فصلِ أجيالنا الحاليّة عن منظُومة الدِين وأهميّته في الحياة ॥ حتّى الأناشيد الدينيّة طالتهَا عصَا المنعِ في فترَة زمنيّة ما ॥ وعادتْ مؤخراً وإن بشكلٍ خجولٍ ..
وإذا عَادَ أحدكُم إلى خطَب يومِ الجمعَة قبلَ عشرينَ عاماً لوجدَها كتبتْ بنفس العقليّة والفكر الذيْ لا تزَالُ عليهِ اليَوم ॥ عقليّة لا تتطوّر فيمَا يتطّور كلّ شيءٍ حولها .. حتّى عقليّة البناء والتعمير .. عقليّة الحجر اختلفتْ في السلطنَة في العقد الأخير بينمَا خطب يوم الجمعَة ماكثَة على ما هيَ عليهِ .. وفي الوقتِ الذيْ كانتِ الثَورات تدوِيْ في الوطنِ العربيّ أجمَع ، ظلّ العُمانيّ يذهبُ للصلاةِ كلّ جمعَة ويستمعُ للخطَاب المملّ المكرور الذي مَارستهُ عليهِ الآلَة الدينيّة للحكُومة "فكرّهتهُ" في الربعِ ساعة التيْ يقضيها مستمعاً للخطيب في حصّة دينيّة مملّة متخلّفة عشراتِ السنين عن عصرِ التطوّر والحدَاثة الذي يعيشهُ العَالم أجمع ، ويمثّل الانسانُ العُمانيّ جزءاً لا يتجزَأ من منظُومته ॥ حصّة دينيّة في وادٍ ، والعالم وأحداثهُ وثوراتهُ في وادٍ آخر!
مُورس هذا التغييبُ على أشدّهِ بعدَ اعتقالاتِ عام 2005 وفيْ الوقتِ نفسهِ كانتِ السلطنَة تدخلُ سباقاً قوياً على مستوَى الاستثمار والمشاريع التنمويّة الضخمَة التيْ جذبتْ إليهَا رأس المَال الأجنبيّ وكانَت السلطنَة تسيرُ بقوّةٍ تجَاهَ الانفتَاح السيَاحيّ ، ولا عجبَ أنّ السلطنَة اليَوم تصنّف واحدَةً من أكثر دولِ الخليجِ تساهلاً في سياساتها على مستوَى التدَاول الكحُوليّ والليونة التي تبديها الحكُومة تجاهه متقدّمة ً على دولٍ أخرى كقطر التيْ تبيحُ تناول الكحُول ولكنْ داخلَ الحاناتِ فقط ، والكويت التيْ تحظرها تماماً أما في عُمان فيُتاح للأجنبيّ تناول الكحُول واصطحَابها خَارج الحانات॥ هذا الانفتَاح الذي أبدتهُ الحكُومة سياحياً وسياسياً قابلهُ في الجَانب الآخر قمع واضح تجَاه الخطاب الدينيّ في السلطنَة في الخمسِ سنوَات السّابقة ॥
وفيمَا تعَالت أصوَاتٌ كثيرَة تشتكِي من استشراء الفسَاد والمحسوبيّة في توزِيع بعثَات الدرَاسة للوعّاظ والموظفين والأئمة ومعاقبَة الأئمة الذينَ يرفعُون اصوَاتهم بالشكوَى عبرَ نقلهم إلى أماكن بعيدَة عن سكنَاهم ، كانَ الخطاب الدينيّ يوَاصلُ تدهورَه وسط َ مجتمعٍ بدأ يشهدُ حالَة من التخبّط الأخلاقي الذي انعكسَ في ارتفاع معدّل الجرَائم الجنسيّة التيْ تتكدّس يومياً بالعشرَات في أدرَاج الادعاء العَام وجرَائم العُنف والسرقَة التيْ أصبحنَا نراها رؤية العينِ ونقرؤها كلّ يومٍ في الصحف في موَاجهة تيّار من الأفكار المنحرفَة والموَاد غير الأخلاقيّة التيْ يبثّها الانترنت والقنوَات الفضَائيّة ॥ أمام هذا الكمّ الهَائل من الهيَاج الجنسيّ والتدهوُر الأخلاقي غابَ الخطَاب الدينيّ المتحضّر الذيْ ظلّ دائماً باعتدَالهِ واتّزانهِ حالَة ً صحيّة ً مهمّة ً في أيّ مجتمعٍ مسْلم ॥
وفيمَا انشغَل الوَزير الشيخُ التاجرُ باستثمَاراتهِ التجَاريّة المختلفَة بينَ الكسّارات والموَاد الصابُونيّة وإدارة استثمارتهِ في التعليم التجاريّ بالجامعَات الخاصّة المحليّة واستثمَارات مُربحَة أخرى ॥ كانتِ الوزَارة تتخبّط في تقدِيم دورهَا المنَاط بها
هذهِ الوزَارة التيْ عجزتِ اليَوم عن إنشاء مرَاكز ثقافيّة للنشءِ تخَاطب رؤاهم وأفكارهم ، مراكِز ثقافيّة توجّه احتياجاتهم للطريق الصحيح .. تُخرجُ فكراً معتدلاً لا متطرّفاً ، فِكراً متزناً لا أصولياً .. فكراً يخَاطب فيهِم روح الانسانيّة والعدَالة والإيمَان والفِكر والتطوّر والتقدّم العلميّ .. مرَاكز صيفيّة حقيقيّة لا تقدّم خطاباً دينياً فحسب .. وإنّما رؤى حيَاتيّة .. رؤى شبابيّة اجتماعيّة .. هيَ جزءٌ من العقيدَة الاسلاميّة التيْ لم تكُن يوماً قاعدَة دينيّة فحسب وإنّما قاعدَة حيَاة لكلّ شيء .. للسياسَة للاجتماع للتعلِيم ..
ما نحتاجهُ اليَوم هوَ بثّ دماء جديدَة وشابَة وزيرٌ جديدٌ بعقليّة متفتحَة ॥ لنتيحَ الفرصَة ليتفرّغ الوزير الحاليّ لمشاريعه الاستثماريّة لأنّ حساسيّة دورِ هذه الوزارة والنتاج المنتظَر منهَا في الوقتِ الرَاهن لا يستطيعُ إدارتهُ وزيرٌ تاجرٌ أضف إلى أنّ فرصَة أربعَة عشر عاماً للاشتغال على الشأن الدينيّ في السلطنة كانت أكثر من كافية لإعادة تقييمِ أدائه ॥ ولأنّ إعادة هيكلَة التعامل مع الخطاب الدينيّ المحليّ يحتَاجُ تفرغاً ذهنياً وكلياً وليتركَ سدّة المنصب لوزيرٍ آخر جديدٍ بعقليّة متفتّحة عاصرت الفيسبُوك وتويتر وتفهم تماماً الجيلَ الذي تخاطبهُ وجدليّات فهم الواقع الحاليْ الذي يفرضُ أن يطوّر الخطاب الدينيّ الحكوميّ أدواتهِ ॥نحتَاج لتجربَة دينيّة جديدَة حيّة وشَابّة॥ ولوعّاظٍ بأفكارٍ واعيَة ومنفتحة ॥ ونحتَاجُ لضخّ مالٍ كبير لهذهِ الوزَارة حتّى تمَارس دورهَا الثقافيّ في صنَاعة النشء ، ونبذ دورهَا الحاليّ القائم فقط،على كونهَا مؤسسة دينيّة ينتهي دورُها عندَ بابِ المسجد باعتبَارهِ داراً للصلاة والشعائر الدينيّة ॥ نحتَاجُ لضخّ الكثير من الأموال لتقدِيم دوراتٍ -بمهنيّة لا محسُوبيّة- لأئمة المساجد الشباب الذينَ تعَاملتْ معهُم الوزَارَةُ حتّى اليَوم وكأنّهم باعَة سلَع بالقطعَة ॥ تمنحُهم روَاتب متدنيّة بالقطعة مقابل أن يؤمّوا الناس كلّما حَان موعِد إحدى الصَلوات ، وكأنّه أتَى لأداء مهمّة معيّنة ينتهيْ دورُهُ بانتهائها ॥ تغييب دور إمام المسجد الواعي المثقّف الذي لا يقتصرُ دورهُ على أمّ عُمومِ الناس الذينَ يستطيعُ أيّ واحدٍ منهُم -وقد خبرَ الصلاة في المسجدِ- أن يؤمّهم..
**************************
أجهلُ تماماً ما الذيْ لعبهُ مكتبُ الإفتاء بكلّ ثقلهِ في مقاومَة هذا التغييب المنظّم الذيْ كانتِ الوزَارة فيه عصَا الحكُومة التيْ تقمعُ بها الدّين.. هذا المكتب الذي ظلّ وحدهُ ضمنَ منظُومة الوزَارة المذكورة يحتفظ بمكَانتهِ الدينيّة في المجتمع وبموقعِ الاحترَام والتقدير الذي يكنّهُ الشعبُ لهُ في الوقتِ الذي انفصلِ فيهِ الشّعبُ عن بقيّة الدور الدينيّ الذي تقدّمه الوزارة.. ولماذا لا يوَاصل مكتب الإفتاء تدعيم دورهِ بعدَ إنشاء موقعهِ على الانترنت بإنشاء صفحَة على الفيسبُوك مثلاً وأخرى على تويتر ومواقع الشبكَات الاجتماعيّة الأخرى وذلك لتعميق العَلاقة التيْ خفتت كثيراً بين الشباب والمؤسسة الدينيّة .. لماذا لا نرى حراكاً مغايراً يقدّمه المكتب الافتائيّ في الوقتِ الذي يئس الناسُ من الخطاب الدينيّ الممَارس من قبلِ الوزارة المذكُورة ..
*******************************
لمْ يكنِ القمعُ وتغييب الدينِ بشكلٍ إجبَاريّ منظّم حلاً لموَاجهة التطرّف ، لمْ يكُن حلاً في تجَارب مماثلَة كانَ على الحكُومة أن تأخذٌ منها درساً كتُونس التيْ غيب الدينُ لحدّ التطرّف فيها لأكثر من عشرينَ عاماً لكنّه عادَ مؤخراً معَ أوّل سقوطٍ لهرَم السلطَة فيهَا ॥ زين الدّين العَابدين..
ولأنّ موَاجهَة التطرّف لا توَاجهُ بتطرّف آخر كانَ على الحكُومة وبمسَاعدَة الوزَارة المذكورة احتواءَ الخطاب الدينيّ ومحَاولة فهمه ॥ والتعَامل بمرُونة معه لأنّ الدِينَ خرجَ للبشريّة معتدلاً ولا حلّ إلا في الاعتدَال بالتعاملِ معهُ ولدَينا أمثلَة رائعة في ذلكَ كالتجربَة الماليزيّة التيْ تعاملتْ مع الخطَاب الدينيّ برفق ॥ وأتاحتِ الفرصَة للجيل الماليزيّ ليتعرّف أكثر على المفَاهيم الجميلة والقيم النبيلة التيْ يُمكنُ للدينِ أن يقدّمها لحيَاتهم ॥ والتجربَة الكويتيّة التيْ تشهَد تعَايش كَافة الأطياف الليبرَاليّة والشيُوعيّة وغيرها مع التيّارات الدينيّة باختلاف حركَاته ومذاهبها..
التغييبُ لنْ يقدّم حلاً ॥ والظلاميّة لا تُشعلُ نوراً ॥ وعلى الحكُومة أن تعِي جيّداً أن موَاصلة تغييب الخطَاب الدينيّ باعتبَارهِ ممارسَة متطرّفة لن يحلّ الأزمَة بل سيقودُ إلى أزماتٍ أخرى ॥ أليستْ أكبر الحركَات المتطرفة في العَالم –وأقربها الجَارة إيران وأفغَانستَان- جاءتْ كردّة فعلٍ على سياسَات منظَّمَة استمرّت عقوداً طويلة لتغييبِ الدين؟
نحنُ أمام أزمَة حقيقيّة ، صامتَة ربّما ॥ قد لا تظهرُ أدخنتها على مدَى قريب لكننا بالتأكيدِ سنوَاجهُ يوماً النتيجَة الكارثيّة على الطرفين ॥ التدهُور الأخلاقي والتطرّف الدينيّ الذي لا حلّ له إلا بفهمه .. ونبذهِ من قبلَ الأجيال الحاليّة التيْ أبصرتِ النُور وهيَ ترى الأداةَ الحكوميّة تعاملُ الخطَاب الدينيّ كفزّاعة ، ومصدَر قلق ..
آن الأوَان لأنْ تتصدّر هذهِ الوزَارة دورِها الحقيقيّ ، دورِها الذي غيّب وراء لهَاثها في بناء المسَاجد الضخمَة الكبيرة المليئة بالنقُوش والأحجار الكريمة ونسيتْ يوماً أنّ الحضَارة الاسلاميّة على مرّ الأزمنَة انتعشتْ وأثمرتْ حينَ استثمرتِ الدينَ في الانسَان .. استثمرتِ الدينَ في حيَاةِ الشُعوب ، باعتدَالٍ وفكرٍ ووعي وفهمٍ حقيقيّ للدين وتعايش سلمي بوجُوده مع كلّ الفئات المجتمعيّة .. وأنّ الحضَارة لن تقُوم يوماً على أكتَاف الحَجر وإنّما على ثقافَة البشر ..
************************
توقّعتُ ॥ ككثيرٍ من أبناء الشعبِ ، أن تطالَ التغييراتُ الوزَاريّة التيْ صدرت في مَارس الأخير وزَارة الأوقاف والشؤون الدينيّة ووزارة التعليم العالي ووزارَة الإعلام ॥ وكنتُ أتمنّى فعلاً أن أرى وجُوهاً جديدَة ، شابّة ، وطمُوحة كتلكَ التيْ رأينَاها في عددٍ من الوزَارات التيْ طالتها التشكيلَة الوزاريّة الجديدة ॥ فأمّا وزارَة الإعلام فقد خرجت الكثيرُ من الرُؤى والمقالات لتبيَان أسباب ضرورَة بثّ دماء جدِيدَة فيها ॥ وأمّا وزارة التعليم العالي فربّما نفردُ مقالاً مطوّلاً يخصّها وأمّا وزَارة الأوقَاف والشؤون الدينيّة فالحديثُ يطُول فيها ॥ إذْ يشهدُ هذا العَام ॥ العام الرَابع عشر منذُ تولّي وزِير الأوقَاف والشؤون الدينيّة الحاليّ مقعدَ الوزَارة ॥ أربعَة عشرَ عَاماً كانتْ كَافيَة جداً لتعمِيق الهوّة بينَ الشّعب ، والدِين .. وإطبَاق قبضَة حديديّة على أيّ تصَاعد دينيّ قد تشهدهُ السلطنة ..
***************************
خلالَ الخمسَة عشر عاماً الماضيَة مَارستِ الدولة متمثّلة في الحكُومة أقصَى درجَات التغييب للخطَاب الدينيّ وحضُورهِ في صلبِ المجتمع العُمانيّ متعَاملَة معه وكأنّه قنبلَة موقُوتة أو بعبُع قد يكشّر عن أنيَابهِ في أيّ لحظَة. تعَاملت الحكُومة مع الخطَاب الدينيّ كـ"مصدَر خَطر" يهدّد أمنها .. وبدَل احتوائهِ ومحَاولةِ فهمه .. كانَ الحلّ هوَ قمعهُ وتغييبهُ عن المجتمع. واليَوم فقدَت الكثِير من القوَاعد الدينيّة معطَياتها فتحوّلت المسَاجد إلى مجرّد دُور عبَادة لأداء الصّلاة بعدَ أنْ كانتْ مرَاكز تعليميّة وثقافيّة قبلَ عشرينَ عاماً .. كانتِ المساجدُ تخرّج الطلبَة ويمضيْ الطلبَة ابتدائيّتهم فيهَا باعتبَارها نظَاماً تعليمياً ممنهجاً بكوَادر تعليميّة مؤهلة ومخرجات مؤهلَة كذلك سرعَان ما تلتحق بعد تخرّجها من مدرسَة المسجد إلى المدَارس الحكُوميّة ذات التعليم النظَامي ولعلّي شهدتُ تخرّج جمِيع أشقائي الذينَ يكبرُونني سناً من هذهِ المعَاهد التيْ لمْ تكُن تقدّم المَادّة العلميّة فحسب بلْ كانتْ تكافئ طلاّبها بروَاتب شهريّة رمزيّة ما حفّز الكثيرين على الدرَاسة بهَا ، لقد كانتْ باختصَارٍ منظُومة تعليميّة راقيَة ومستقلّة وقائمَة على أسسٍ وأهداف ॥ وفي الزّمن الذيْ كان المسجِد يقدّم حركَة وعظيّة حقيقيّة ونشاطاً اجتماعياً مكثفاً ، تنَاقصت الحركَة الوعظيّة شيئاً فشيئاً وظلّت على مكَانها وأفكَارها جامدَةًلا تتحرّك ॥ ظلّ الخطابُ الدينيّ نفسهُ بذات العقليّة والأفكار لا يتغيّر ॥ وفي زمنِ الفيسبُوك وتويتر وغيرها لا يزَال الخطَاب الوعظيّ لدينَا يمَارسُ بتقليديّة عجيبَة حديثهُ عن النحل والأفلاج وإماطَة الأذى عن الطريق ॥ هذا الشبَاب المتفجّر بمفاهِيم الحريّة ورؤى العدَالة والثورَة الانترنتيّة المصَاحبَة॥ الشبابُ الذي يعرفُ عن بطُولات جيفارا وغاندي وماندِيلا أكثر مما يعرفُ عن عمّار بن يَاسر وبطُولات الصحَابة॥ وجدَ هؤلاء الشباب جداراً صلباً يحجبهُم عن الخطَاب الدينيّ .. جدار جَامد متين أصّلته الدّولة بمسَاعدَة ومبَاركة من الوزَارة المذكورة ..
وسَاهمَ تجفيفُ موَاد التربيَة الإسلاميّة في المنَاهج الدرَاسيّة وتسطيحهَا في فصلِ أجيالنا الحاليّة عن منظُومة الدِين وأهميّته في الحياة ॥ حتّى الأناشيد الدينيّة طالتهَا عصَا المنعِ في فترَة زمنيّة ما ॥ وعادتْ مؤخراً وإن بشكلٍ خجولٍ ..
وإذا عَادَ أحدكُم إلى خطَب يومِ الجمعَة قبلَ عشرينَ عاماً لوجدَها كتبتْ بنفس العقليّة والفكر الذيْ لا تزَالُ عليهِ اليَوم ॥ عقليّة لا تتطوّر فيمَا يتطّور كلّ شيءٍ حولها .. حتّى عقليّة البناء والتعمير .. عقليّة الحجر اختلفتْ في السلطنَة في العقد الأخير بينمَا خطب يوم الجمعَة ماكثَة على ما هيَ عليهِ .. وفي الوقتِ الذيْ كانتِ الثَورات تدوِيْ في الوطنِ العربيّ أجمَع ، ظلّ العُمانيّ يذهبُ للصلاةِ كلّ جمعَة ويستمعُ للخطَاب المملّ المكرور الذي مَارستهُ عليهِ الآلَة الدينيّة للحكُومة "فكرّهتهُ" في الربعِ ساعة التيْ يقضيها مستمعاً للخطيب في حصّة دينيّة مملّة متخلّفة عشراتِ السنين عن عصرِ التطوّر والحدَاثة الذي يعيشهُ العَالم أجمع ، ويمثّل الانسانُ العُمانيّ جزءاً لا يتجزَأ من منظُومته ॥ حصّة دينيّة في وادٍ ، والعالم وأحداثهُ وثوراتهُ في وادٍ آخر!
مُورس هذا التغييبُ على أشدّهِ بعدَ اعتقالاتِ عام 2005 وفيْ الوقتِ نفسهِ كانتِ السلطنَة تدخلُ سباقاً قوياً على مستوَى الاستثمار والمشاريع التنمويّة الضخمَة التيْ جذبتْ إليهَا رأس المَال الأجنبيّ وكانَت السلطنَة تسيرُ بقوّةٍ تجَاهَ الانفتَاح السيَاحيّ ، ولا عجبَ أنّ السلطنَة اليَوم تصنّف واحدَةً من أكثر دولِ الخليجِ تساهلاً في سياساتها على مستوَى التدَاول الكحُوليّ والليونة التي تبديها الحكُومة تجاهه متقدّمة ً على دولٍ أخرى كقطر التيْ تبيحُ تناول الكحُول ولكنْ داخلَ الحاناتِ فقط ، والكويت التيْ تحظرها تماماً أما في عُمان فيُتاح للأجنبيّ تناول الكحُول واصطحَابها خَارج الحانات॥ هذا الانفتَاح الذي أبدتهُ الحكُومة سياحياً وسياسياً قابلهُ في الجَانب الآخر قمع واضح تجَاه الخطاب الدينيّ في السلطنَة في الخمسِ سنوَات السّابقة ॥
وفيمَا تعَالت أصوَاتٌ كثيرَة تشتكِي من استشراء الفسَاد والمحسوبيّة في توزِيع بعثَات الدرَاسة للوعّاظ والموظفين والأئمة ومعاقبَة الأئمة الذينَ يرفعُون اصوَاتهم بالشكوَى عبرَ نقلهم إلى أماكن بعيدَة عن سكنَاهم ، كانَ الخطاب الدينيّ يوَاصلُ تدهورَه وسط َ مجتمعٍ بدأ يشهدُ حالَة من التخبّط الأخلاقي الذي انعكسَ في ارتفاع معدّل الجرَائم الجنسيّة التيْ تتكدّس يومياً بالعشرَات في أدرَاج الادعاء العَام وجرَائم العُنف والسرقَة التيْ أصبحنَا نراها رؤية العينِ ونقرؤها كلّ يومٍ في الصحف في موَاجهة تيّار من الأفكار المنحرفَة والموَاد غير الأخلاقيّة التيْ يبثّها الانترنت والقنوَات الفضَائيّة ॥ أمام هذا الكمّ الهَائل من الهيَاج الجنسيّ والتدهوُر الأخلاقي غابَ الخطَاب الدينيّ المتحضّر الذيْ ظلّ دائماً باعتدَالهِ واتّزانهِ حالَة ً صحيّة ً مهمّة ً في أيّ مجتمعٍ مسْلم ॥
وفيمَا انشغَل الوَزير الشيخُ التاجرُ باستثمَاراتهِ التجَاريّة المختلفَة بينَ الكسّارات والموَاد الصابُونيّة وإدارة استثمارتهِ في التعليم التجاريّ بالجامعَات الخاصّة المحليّة واستثمَارات مُربحَة أخرى ॥ كانتِ الوزَارة تتخبّط في تقدِيم دورهَا المنَاط بها
هذهِ الوزَارة التيْ عجزتِ اليَوم عن إنشاء مرَاكز ثقافيّة للنشءِ تخَاطب رؤاهم وأفكارهم ، مراكِز ثقافيّة توجّه احتياجاتهم للطريق الصحيح .. تُخرجُ فكراً معتدلاً لا متطرّفاً ، فِكراً متزناً لا أصولياً .. فكراً يخَاطب فيهِم روح الانسانيّة والعدَالة والإيمَان والفِكر والتطوّر والتقدّم العلميّ .. مرَاكز صيفيّة حقيقيّة لا تقدّم خطاباً دينياً فحسب .. وإنّما رؤى حيَاتيّة .. رؤى شبابيّة اجتماعيّة .. هيَ جزءٌ من العقيدَة الاسلاميّة التيْ لم تكُن يوماً قاعدَة دينيّة فحسب وإنّما قاعدَة حيَاة لكلّ شيء .. للسياسَة للاجتماع للتعلِيم ..
ما نحتاجهُ اليَوم هوَ بثّ دماء جديدَة وشابَة وزيرٌ جديدٌ بعقليّة متفتحَة ॥ لنتيحَ الفرصَة ليتفرّغ الوزير الحاليّ لمشاريعه الاستثماريّة لأنّ حساسيّة دورِ هذه الوزارة والنتاج المنتظَر منهَا في الوقتِ الرَاهن لا يستطيعُ إدارتهُ وزيرٌ تاجرٌ أضف إلى أنّ فرصَة أربعَة عشر عاماً للاشتغال على الشأن الدينيّ في السلطنة كانت أكثر من كافية لإعادة تقييمِ أدائه ॥ ولأنّ إعادة هيكلَة التعامل مع الخطاب الدينيّ المحليّ يحتَاجُ تفرغاً ذهنياً وكلياً وليتركَ سدّة المنصب لوزيرٍ آخر جديدٍ بعقليّة متفتّحة عاصرت الفيسبُوك وتويتر وتفهم تماماً الجيلَ الذي تخاطبهُ وجدليّات فهم الواقع الحاليْ الذي يفرضُ أن يطوّر الخطاب الدينيّ الحكوميّ أدواتهِ ॥نحتَاج لتجربَة دينيّة جديدَة حيّة وشَابّة॥ ولوعّاظٍ بأفكارٍ واعيَة ومنفتحة ॥ ونحتَاجُ لضخّ مالٍ كبير لهذهِ الوزَارة حتّى تمَارس دورهَا الثقافيّ في صنَاعة النشء ، ونبذ دورهَا الحاليّ القائم فقط،على كونهَا مؤسسة دينيّة ينتهي دورُها عندَ بابِ المسجد باعتبَارهِ داراً للصلاة والشعائر الدينيّة ॥ نحتَاجُ لضخّ الكثير من الأموال لتقدِيم دوراتٍ -بمهنيّة لا محسُوبيّة- لأئمة المساجد الشباب الذينَ تعَاملتْ معهُم الوزَارَةُ حتّى اليَوم وكأنّهم باعَة سلَع بالقطعَة ॥ تمنحُهم روَاتب متدنيّة بالقطعة مقابل أن يؤمّوا الناس كلّما حَان موعِد إحدى الصَلوات ، وكأنّه أتَى لأداء مهمّة معيّنة ينتهيْ دورُهُ بانتهائها ॥ تغييب دور إمام المسجد الواعي المثقّف الذي لا يقتصرُ دورهُ على أمّ عُمومِ الناس الذينَ يستطيعُ أيّ واحدٍ منهُم -وقد خبرَ الصلاة في المسجدِ- أن يؤمّهم..
**************************
أجهلُ تماماً ما الذيْ لعبهُ مكتبُ الإفتاء بكلّ ثقلهِ في مقاومَة هذا التغييب المنظّم الذيْ كانتِ الوزَارة فيه عصَا الحكُومة التيْ تقمعُ بها الدّين.. هذا المكتب الذي ظلّ وحدهُ ضمنَ منظُومة الوزَارة المذكورة يحتفظ بمكَانتهِ الدينيّة في المجتمع وبموقعِ الاحترَام والتقدير الذي يكنّهُ الشعبُ لهُ في الوقتِ الذي انفصلِ فيهِ الشّعبُ عن بقيّة الدور الدينيّ الذي تقدّمه الوزارة.. ولماذا لا يوَاصل مكتب الإفتاء تدعيم دورهِ بعدَ إنشاء موقعهِ على الانترنت بإنشاء صفحَة على الفيسبُوك مثلاً وأخرى على تويتر ومواقع الشبكَات الاجتماعيّة الأخرى وذلك لتعميق العَلاقة التيْ خفتت كثيراً بين الشباب والمؤسسة الدينيّة .. لماذا لا نرى حراكاً مغايراً يقدّمه المكتب الافتائيّ في الوقتِ الذي يئس الناسُ من الخطاب الدينيّ الممَارس من قبلِ الوزارة المذكُورة ..
*******************************
لمْ يكنِ القمعُ وتغييب الدينِ بشكلٍ إجبَاريّ منظّم حلاً لموَاجهة التطرّف ، لمْ يكُن حلاً في تجَارب مماثلَة كانَ على الحكُومة أن تأخذٌ منها درساً كتُونس التيْ غيب الدينُ لحدّ التطرّف فيها لأكثر من عشرينَ عاماً لكنّه عادَ مؤخراً معَ أوّل سقوطٍ لهرَم السلطَة فيهَا ॥ زين الدّين العَابدين..
ولأنّ موَاجهَة التطرّف لا توَاجهُ بتطرّف آخر كانَ على الحكُومة وبمسَاعدَة الوزَارة المذكورة احتواءَ الخطاب الدينيّ ومحَاولة فهمه ॥ والتعَامل بمرُونة معه لأنّ الدِينَ خرجَ للبشريّة معتدلاً ولا حلّ إلا في الاعتدَال بالتعاملِ معهُ ولدَينا أمثلَة رائعة في ذلكَ كالتجربَة الماليزيّة التيْ تعاملتْ مع الخطَاب الدينيّ برفق ॥ وأتاحتِ الفرصَة للجيل الماليزيّ ليتعرّف أكثر على المفَاهيم الجميلة والقيم النبيلة التيْ يُمكنُ للدينِ أن يقدّمها لحيَاتهم ॥ والتجربَة الكويتيّة التيْ تشهَد تعَايش كَافة الأطياف الليبرَاليّة والشيُوعيّة وغيرها مع التيّارات الدينيّة باختلاف حركَاته ومذاهبها..
التغييبُ لنْ يقدّم حلاً ॥ والظلاميّة لا تُشعلُ نوراً ॥ وعلى الحكُومة أن تعِي جيّداً أن موَاصلة تغييب الخطَاب الدينيّ باعتبَارهِ ممارسَة متطرّفة لن يحلّ الأزمَة بل سيقودُ إلى أزماتٍ أخرى ॥ أليستْ أكبر الحركَات المتطرفة في العَالم –وأقربها الجَارة إيران وأفغَانستَان- جاءتْ كردّة فعلٍ على سياسَات منظَّمَة استمرّت عقوداً طويلة لتغييبِ الدين؟
نحنُ أمام أزمَة حقيقيّة ، صامتَة ربّما ॥ قد لا تظهرُ أدخنتها على مدَى قريب لكننا بالتأكيدِ سنوَاجهُ يوماً النتيجَة الكارثيّة على الطرفين ॥ التدهُور الأخلاقي والتطرّف الدينيّ الذي لا حلّ له إلا بفهمه .. ونبذهِ من قبلَ الأجيال الحاليّة التيْ أبصرتِ النُور وهيَ ترى الأداةَ الحكوميّة تعاملُ الخطَاب الدينيّ كفزّاعة ، ومصدَر قلق ..
آن الأوَان لأنْ تتصدّر هذهِ الوزَارة دورِها الحقيقيّ ، دورِها الذي غيّب وراء لهَاثها في بناء المسَاجد الضخمَة الكبيرة المليئة بالنقُوش والأحجار الكريمة ونسيتْ يوماً أنّ الحضَارة الاسلاميّة على مرّ الأزمنَة انتعشتْ وأثمرتْ حينَ استثمرتِ الدينَ في الانسَان .. استثمرتِ الدينَ في حيَاةِ الشُعوب ، باعتدَالٍ وفكرٍ ووعي وفهمٍ حقيقيّ للدين وتعايش سلمي بوجُوده مع كلّ الفئات المجتمعيّة .. وأنّ الحضَارة لن تقُوم يوماً على أكتَاف الحَجر وإنّما على ثقافَة البشر ..